عبدالرحمن ناصر الخريف
هل يمكن أن يصدق بأن تحدث في أقل من عامين ثلاثة انهيارات لسوق أسهم دولة مستقرة تشهد طفرة كبيرة ونسب أرباح شركاتها عالية؟ هذا لا يمكن أن يحدث إلا بسبب خلل مازال هناك من يستفيد من وجوده! فبسبب الخصوصية التي نتمتع بها - ونرفض الاعتراف بوجودها - يحدث ذلك! فعندما تكون وظيفة "صانع السوق" شاغرة ولم تشغل بمن يقوم بحفظ التوازن وإبعاد السوق عن التصرفات اللامسؤولة من المحافظ الفردية او المتحالفة، فإن هناك من سيستغل ذلك بتكليف نفسه بتلك الوظيفة، فهو ليس بالضرورة أن يكون شخصاً معنوياً أو اعتبارياً وإنما هو "فكر سوق أسهم" لمن يفهم قواعد اللعبة، فبالقوة المالية تتوفر كافة المقومات اللازمة لتوجيه مسار السوق! فالانهيار لا يتبعه إقفال للسوق بل استغلال فرص لاقتناصها لإعادة توجيه سيولة الآخرين لها وهكذا..! ومن يجهل أسس تجارة الأسهم يرى بأن ذلك "مؤامرة" في حين أن ذلك هو الأسلوب المتعارف عليه بالأسواق المالية ولكن لخصوصيتنا نجد سوقنا أكثر حدة وقسوة! فصانع السوق يرى بأن هناك ثروة بلا رقيب حتى ولو لديه أنظمة حديثة! فلو تحرك هذا الرقيب انطلاقاً من "ها أنا موجود"! فإن غضب صانع السوق سيجعل العقاب يأتيه من أصحاب تلك الثروة التي يتولى حمايتها! أليس هذا واقعا عجيبا نتميز به؟
إن ما حدث خلال الأسبوع الماضي من نزول عنيف لكامل شركات السوق لم يكن خافياً على من يعلم بخفايا السوق وسبب ارتفاعه السريع قبل شهرين! فخسرنا في يومين ماجمع في شهرين! ولكون السوق مستمر فما المانع لصانع السوق (مجازاً) من استغلال شعار الركود العالمي بهدف تعديل توجه السيولة من قطاعات ك "تعليقة هوامير" إلى قطاعات أخرى ك (الخدمات مثلاً بدلاً من البتروكيماويات والبنوك) كاحتمال متوقع لكونها ليست لها علاقة مباشرة بذلك الركود وموجة من موجات السوق! فالسيطرة على مجريات السوق تتم بالتركيز على المؤشر سواء بالتثبيت أو بالرفع أو بالتخفيض وبالقدر الذي يراه صانع السوق لتوجيه سيولته للقطاع المستهدف، ومن هنا يتم تجاهل أية أخبار إذا لم تكن تخدم محافظة كما يفتعل التأثر الكبير من أي خبر هنا أو هناك لإيجاد مبرر مقنع لتفسير ما يحدث، فعند الرغبة بالصعود تجاهل أزمة الرهن العقاري واستبعد التأثر بها لتوفير أجواء مناسبة لرحلة ( الصعود السريع والنزول الخفيف 1428/11/7ه) ومن المحتمل أن دخول سيولة جديدة منافسة وتأجيل تطبيق تعديل المؤشر ومحاولات هيئة السوق لتهدئة الارتفاعات الكبرى عبر إدراج اكتتابات كبيرة لسحب سيولة غير مسؤولة أصلاً عن تلك الارتفاعات! أجبرت صانع السوق على لفت الانتباه لوجوده وقوة سيطرته على الوضع! ولذلك فتلك التبريرات التي بثت خلال الأسبوع الماضي بحملة منظمة، كانت لإقناع المسؤولين والمتداولين بان السوق تأثر بانخفاض أرباح سابك والركود العالمي ثم بسبب التناغم مع باقي الأسواق المالية في احد الأيام! فقد سبق لنا المرور بتجارب عديدة أثبتت الأيام بأن صانع السوق لديه المعلومة إن لم يكن يصنعها ولا يمكن لنا التصديق بان صانع السوق قد فوجئ بتلك الأحداث! فتلك كانت معروفة ومتوقعة (قراءة للتوقع المنشور بالوصول ل (36) الف نقطة 2007/12/29م بأن التخفيض لأسعار الفائدة الأمريكية هو لإنعاش الاقتصاد الأمريكي وبالتأكيد ذلك ليس في صالح شركاتنا بسبب المخاوف من كساد اقتصادي قادم يشمل معظم الدول والذي سيترتب عليه انخفاض في الحركة الاقتصادية واستهلاك المنتجات البترولية مما سيؤثر على أرباح شركاتنا) فهل كان ذلك غائباً عمن كان يبالغ في التوقع لتلك الأرباح أو أنه يجهل حجمها؟ والأهم هو ما ذكر عن طبيعة تلك السيولة التي دخلت السوق للمضاربة أم للاستثمار فقد تكون هذه الجولة هدفاً لصانع السوق!
ومن هنا نعيد الطلب بأهمية إيجاد صانع سوق يهدف للمحافظة على توازن السوق وإعادة الثقة به، وقد يكون من المناسب أن يكون صندوق الاستثمارات العامة هو البديل الجاهز حالياً لكونه يملك حصصاً كبيرة في شركات كبرى وبحيث يصدر قرار مجلس الوزراء بتحويل تلك الحصص إلى محفظة تستطيع البيع في حالات استثنائية تكون المصلحة فيها تلبية حاجة المستثمرين للشراء وبدون إعاقة الصعود الهادئ، وتقوم بالشراء خلال أوقات الانخفاض التي يتم ضرب السوق بها، أي التدخل في أوقات محددة وبحيث يستفيد من أرباح البيع بالشراء عند نزول الأسعار بالقدر الذي يحد من انهيار الأسعار خاصة وأنه يملك المعلومة تلك الشركات والأهم أن تكون نسب تملكه معلنة للجميع في موقع الهيئة، وذلك كبديل عن إنشاء صندوق سيادي يحتاج لمليارات جديدة! وعموماً فإن إيجاد هذا الصانع سيحد من عمليات الرفع أو الإنزال السريع لأسعار شركات بهدف توجيه مسار السوق، وبمجرد إصدار هذا القرار سيجبر أي مضارب على عدم المغامرة لكون صندوق الاستثمارات يملك الكمية الكبرى ويستطيع ضبط مسار السوق ويقف بحزم في مواجهة أي ارتفاع كبير بهدف المضاربة العنيفة كما حدث خلال الفترة الأخيرة وتسبب في قسوة النزول لأسعارها وأسعار شركات لم ترتفع أصلاً