شهدت أسواق الأسهم العالمية يوم الثلاثاء انخفاضات سعرية نتيجة للمخاوف من تأثيرات أزمة سوق المساكن والائتمان في الولايات المتحدة، وتصدر السوق السعودي قائمتها بنسبة 9.6% لسجل بذلك اكبر نسبة هبوط بين الأسواق المالية.
هذه الخسارة القاسية للسوق السعودي جعلت المراقبين والمتابعين يستغربون هذا الرقم، وكأن السوق السعودي واقتصادها سيكون الأكثر تضررا مما يحدث، وكان الأزمة العالمية ستحدث داخلها، وتهدد اقتصادها وشركاتها أكثر من أي اقتصاد آخر.
وتكرر السلوك يوم الأربعاء بعد ما خسر المؤشر جميع مكاسبه في الدقائق الأخيرة بعد أن كان مرتفعا بنحو 7% قبل التراجع، إذ أدت عمليات البيع السريعة والمباغتة على أسهم الشركات المؤثرة على المؤشر إلى القضاء على جميع المكاسب، وهذه الموجة ربطها البعض بموجة تراجع حدثت للأسواق الأوروبية، واستغلها المضاربون في البيع بأسعار أعلى لأجل الشراء بأسعار اقل، وإحداث فوضى بيعية في السوق، واستعادت أكثر الأسواق العالمية هدوءها نتيجة لقرارات حكومية وتصاريح رسمية ساعدت على توقف الهبوط وتماسك الأسعار.
وتعني هذه الأرقام أن سوقنا لا تزال تعاني من تهويل الأحداث والمبالغة في التفاعل مع الأخبار والتطورات اليومية، وهذا يقود إلى عدم سيطرة المتداولين على مشاعرهم النفسية، وسيطرة النظرة المضاربية اليومية على قرارات الأغلبية، وان منطق المضاربة لا يزال يتحكم في مفاصل الحركة العامة للسوق، وسط غياب من الجهات المسؤولة عن التواجد في هذه الأحداث والتعليق عليها والتدخل عند الحاجة لطمأنة المتعاملين.
ومع استمرار هذا السلوك وسيطرته فان المجال مفتوح في كل مرة تتعرض فيها السوق الى هذه المواقف، للمحافظ الكبرى لتحقيق ضغوطات سعرية بهدف الشراء بأسعار اقل ومن ثم الاستفادة من موجات الصعود اللاحقة بعد انتهاء المخاوف وعودة الأوضاع إلى حقيقتها.
واستمرار هذه السلوك في عدة مناسبات يفقد السوق ثقة المتعاملين ويستوجب على الجهات المشرفة والمنظمة للسوق الإسراع في إيجاد صانع للسوق يتواجد بصورة يومية أثناء التداول ويؤمن كميات الأسهم المراد بيعها او شرائها بأسعارها الحقيقية حتى لا يكون سوق الأسهم بوضعه الحالي مصدرا للإفلاس وتبخر الدخل لدى المواطنين ومكانا خصبا لتكاثر أموال المضاربين وصناديق المضاربة.
كما ان الجهات المسؤولة مطالبة بالتواجد السريع في هذه الأحداث، والتعليق عليها، وتوعية المتعاملين بحقيقة الأموال الموجودة في السوق السعودي الذي لا توجد فيه استثمارات أجنبية مؤثرة ومباشرة فالأموال معظمها سعودية، علاوة على ذلك فان السوق السعودي سيكون ملاذا آمنا للاستثمارات السعودية في حالة الأزمات المالية العالمية، إضافة إلى كون تعرض الاقتصاد السعودي لمشاكل من ركود اقتصادي أمريكي يبقى محدودا.
والجزئية الأخيرة أكدت عليها أمس الأول مجموعة "HSBC" المصرفية، اذ أوردت ان الاقتصاديات الخليجية بما فيها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يتوقع لها بان لا تواجه مشاكل كبيرة من أي ركود اقتصادي أمريكي محتمل، إن لم يتغلغل إلى الاقتصاديات الآسيوية أو يسبب انهيارا في أسعار النفط،فكون تعرض اقتصاديات الدول الخليجية لتأثير مباشر لركود اقتصادي أمريكي يبقى محدودا باعتبار أن الولايات المتحدة ليست عنصرا مفتاحيا للنمو للمنطقة الخليجية أو مصدرا رئيسيا لرؤوس الأموال.
إن ترك تفسير حركة الأسواق المالية للاجتهادات الشخصية وعدم التدخل في الأوقات الحرجة،هو تطبيق لنظرية اقتصادية كانت تدعو إلى عدم تدخل الحكومات في الصناعة والتجارة وأثبتت هذه النظرية فشلها بعد ان تسببت في كوارث اقتصادية، أبرزها فترة الكساد الذي اغرق الولايات المتحدة في 1921م، وجاءت بعدها نظريات لاحقة دعت إلى التدخل الرسمي وأثبتت أن الدورات الاقتصادية، يتم التحكم بها من خلال السياسات المالية والنقدية التي تضعها الدول لتحقيق مصالحها.
لقد نجحت الشركات السعودية في المحافظة على وتيرة النمو في أرباحها خلال العام الماضي 2007م وحققت أرباحا تجاوزت 83مليار ريال مقابل 77.2مليار ريال في 2006م، والتوقعات بشأنها لا تزال ايجابية فجميع البنوك الاستثمارية لا تزال نظرتها ايجابية نحو الشركات السعودية.
فعلى سبيل المثال فقد نشر بنك كريدي سويس العالمي توقعاته قبل شهر وتضمنت أن دول الخليج ستحقق ثاني أعلى معدلات أرباح بين الأسواق الناشئة للعام 2008، كما توقع البنك أن تحقق الشركات السعودية، معدلات ربحية أعلى مما تحققه نظيراتها في أسواق الدول الأربع الناشئة الكبرى، وهي الصين، والهند، والبرازيل، وروسيا، كما أبقى البنك على النسبة المخصصة للاستثمار في محفظته في السوق السعودية بنسبة 40% من حجم ما خصصه لمنطقة الخليج، بينما رفع مخصصاته للسوق القطرية باعتبارها أسرع أسواق المجلس نموا.