توقع محللون واقتصاديون أن تؤدي مخاوف الركود في الاقتصاد الأمريكي، وما تلاه من خفض مفاجئ لسعر الفائدة على الدولار بمقدار ثلاثة أرباع النقطة إلى 3.5 في المائة، إلى إعادة توجيه وتدوير المحافظ الاستثمارية الأجنبية والخليجية نحو "منطقة الخليج"، مؤكدين أنها أسواق واعدة بالنمو.
وأكدوا لـ "الاقتصادية" أن خفض الفائدة والتراجع المرتقب في سعر صرف الدولار سيوسعان دائرة التضخم المستورد في الخليج.
وقالت حنان باقر المحللة المالية في شركة طيب للأوراق المالية التابعة لبنك طيب، إن أسواق المال الخليجية تشهد تأثيرا مباشرا في الأمدين القصير والمتوسط، استنادا لتخفيض سعر الفائدة على الدولار "بمقدار كبير"، متوقعة في هذا الصدد إعادة توجيه المحافظ الاستثمارية الأجنبية إلى أسواق بديلة وبالذات "الخليجية" كونها تسجل معدلات نمو عالية وواعدة.
وذكرت أن المخاوف التي يثيرها الركود المحتمل للاقتصاد الأمريكي، وما تلاه من خطوات تتعلق بخفض سعر الفائدة، ستؤدي إلى إعادة التفكير في السياسة الاستثمارية، مضيفة " نتوقع عودة محافظ خليجية إلى المنطقة بعدما كانت تخرج منها، في ضوء ما يحدث لاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية".
واعتبرت باقر أن التضخم في دول مجلس التعاون "لن يكون عائقا" أمام إعادة تدوير المحافظ الاستثمارية الأجنبية من السوق الأمريكية إلى الخليج، مرجعة ذلك إلى أن التضخم في المنطقة هو الأقل مقارنة بدول العالم الأخرى.
من جانبه أشار الدكترو أحمد اليوشع رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية، إلى أن أسواق المال العالمية كانت تتوقع خفض سعر الفائدة الأمريكية، وإن لم تكن تتوقع هذا المقدار "ثلاثة أرباع النقطة"، لافتا إلى أن هناك توقعات بتراجع سعر صرف الدولار "وهو ما سيسهم في توسيع دائرة التضخم المستورد في بلدان الخليج باعتبار أن دول الخليج ترتبط بهذه العملة".
أضاف "تعد أمريكا أهم شريك تجاري لدول الخليج، وبالتالي فإن تراجع الاقتصاد الأمريكي، سيؤثر في صادراتها إلى الولايات المتحدة، سواء كانت نفطية أو غيرها"، موضحا "أن دخوله مرحلة الركود سينعكس على الطلب الأمريكي للمنتجات الأجنبية ويعمل على تقليصها، ومنها السلع الخليجية".
وفي المقابل لاحظ أن أي مواد خام مقوّمة بالدولار، ستتأثر أسعارها في ضوء تراجع سعر العملة الأمريكية، بيد أنه اعتبر أن ذلك سيؤدي لتحفيز دول الاتحاد الأوربي لاستهلاك أكثر، ما يعني أن تراجع "صادراتنا إلى أمريكا يمكن التعويض عنه بجهات أخرى".
وأكد اليوشع أن خطوة البنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة، تعكس دفاعا عن المصالح الأمريكية في ظل "هواجس الركود" المتوقعة، متابعا "بعض المراقبين يعتقدون أن أمريكا دخلت فعلا دورة الركود منذ كانون الأول (ديسمبر) 2007، مستشهدين في هذا الصدد بالركود في قطاعات السيارات، التجزئة، العقار".
وقال "ما هو قادم قد يكون أكبر" حسب تعبير بعض التقارير الاقتصادية، عازيا ذلك إلى عدم الانتهاء من معضلة الرهونات العقارية، وكذلك عدم الإعلان عن الديون الفعلية وخسائر الشركات الأمريكية المرتبطة بتلك الرهونات، "هناك توقعات بانهيارات لشركات خاصة متوسطة".
ولفت اليوشع إلى أن الأمريكيين اتخذوا خطوتين لانتشال البطء في الاقتصاد الأمريكي، أولاها: التحفيز المالي عبر ضخ 150 مليار دولار في السوق على شكل إعفاءات ضريبية للشركات. وثانيتها: تفعيل السياسة النقدية وتحفيز الاقتصاد وتقليص تكلفة الاقتراض وتشجيع الاستثمار عبر خفض سعر الفائدة، "هناك قلق وخوف حقيقي من الركود، والخطوات الأمريكية تؤكد ذلك".
ووصف الدكتور ناصر القعود رئيس جمعية الاقتصاديين الخليجية خفض سعر الفائدة بثلاثة أرباع النقطة، بأنه سابقة تاريخية للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مؤكدا أن ذلك سيترتب عليه تلقائيا خفض أسعار الفائدة على العملات الخليجية.
بيد أنه توقع أن يؤدي التباطؤ في الاقتصاد الأمريكي، إلى استقطاب دول الخليج مزيداً من الاستثمارات الأجنبية من أسواق مختلفة، ملاحظا أن دول التعاون شهدت في السنوات الأخيرة نموا في هذا الجانب "بحسبانها أسواقا واعدة".
وشدّد على القول "يهمنا الاستثمارات المباشرة كالتي تتجه لتأسيس شركات، ولكن قد يتجه بعضها إلى أسواق المال الخليجية، وبعضها ربما يدخل في شراكة مع مستثمرين خليجيين".
وعدّد بعض إيجابيات خفض سعر الفائدة، قائلا "من بينها تشجيع النمو والاستثمار وزيادة النشاط الاقتصادي وخفض التكلفة الإنتاجية"، معتبرا أن إحدى سلبياتها "أنها قد تؤدي إلى مزيد من التضخم وصعود الأسواق المالية بحيث تعيش حالة من التذبذب، بعد خفض تكلفة الاقتراض".
ودعا إلى تعاضد سياسات عدة "متوازنة"، تأخذ في الحسبان الرغبة في زيادة معدلات النمو من دون تضخم، حيث إن خفض سعر الفائدة لزيادة النشاط الاقتصادي يؤدي إلى زيادة حجم السيولة وزيادة مستويات التضخم، مضيفا "لابد من إيجاد معادلة وإن كانت صعبة بين خفض التضخم والحاجة إلى تقليص حجم السيولة دون الإضرار بالسياسة النقدية".
وقال "في المحصلة النهائية لأي قرار في هذا الشأن، سيعتمد على سياسة الإنفاق، وما يتخذ من سياسات نقدية لمعالجة التضخم