ما مقدار التأثير الذي يطرأ على الاقتصاد الأمريكي بفعل السياسات التي يقررها رؤساء الولايات المتحدة؟ المرشحون لتولي الرئاسة الأمريكية هم قيد المباشرة بوضع سياساتهم الاقتصادية المفترضة، ويقول كل مرشح أو مرشحة للرئاسة إن سياسته أو سياستها ستؤدي إلى ازدهار أكبر وإلى مزيد من الوظائف. والحقيقة هو أن لدى الرئيس في أمريكا صلاحيات محدودة فقط للتأثير في مجريات الأحداث، إلا أنه ما زال بإمكانه صنع فرق حقيقي. فكل زيادة في النمو الاقتصادي ستكون عرضة للتأثر بمعدلات الضريبة وبالإنفاق الحكومي وبالسياسات التنظيمية والتجارية، والتي تتطلب كلها القيام بعمل مشترك من قبل الكونجرس والرئيس معا. كما أن الفروع الحكومية كلها ستكون مقيدة بشكل كبير في حال عدم وجود بعض التعاون من قبل الفروع الأخرى، بما في ذلك المحاكم.
بإمكان القرارات التي تصدرها المحاكم أن تؤثر بشكل كبير في قدرة الشركات التجارية في العمل بشكل سليم وفي خلق وظائف جديدة. وهناك متغيرات غير قابلة للتحكم والتي تكون خارج سيطرة الأعمال كافة التي يمكن أن يقوم بها الرئيس كالطقس والزلازل والحروب والسياسات الاقتصادية التي تقررها دول أخرى. هذه المتغيرات تستطيع أن تؤثر بدرجة كبيرة في نمو الاقتصاد الأمريكي. كما أن كل الرؤساء الأمريكيين الذين يتولون مناصبهم الجديدة يرثون عن أسلافهم (الرؤساء السابقين لهم) الضرائب التي قام هؤلاء الأسلاف بفرضها وكذلك الإنفاق الحكومي والسياسات التجارية والتنظيمية، وسيكون الرؤساء الجدد بحاجة إلى سنة واحدة فأكثر لكي يقوموا بتطبيق سياساتهم.
عندما تولى الرئيس كارتر منصبه بتسلمه رئاسة الولايات المتحدة من الرئيس فورد، كان الاقتصاد الأمريكي ينمو بسرعة بعد ركود حاد، إلا أن التضخم كان مرتفعا جدا. بعد ذلك، قام الرئيس كارتر بتعيين جيه وليم ميللر كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي استطاع أن يقدم لنا في عام 1979 تضخما قياسيا (بنسبة بلغت 13.3 في المائة)! وكان الفريق الاقتصادي للرئيس كارتر قد أخفق في هذا المجال حيث كان يغير سياساته كل بضعة أشهر، والذي نجم عنه حدوث كساد في عام 1980، وإعداد المرحلة الخاصة بالكساد الكبير الذي حدث في عام 1982، عندما قام بول فولكر، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الجديد (الذي عينه الرئيس كارتر عند نهاية مدته تقريبا)، بالتنزيل التدريجي للنمو النقدي بغرض انتزاع التضخم من الاقتصاد.
أما الرئيس ريجان فقد قام بعد أن تولى منصبه بدعم السياسات النقدية "الصارمة" التي وضعها فولكر وأوصى بالقيام بتخفيضات كبيرة في الضريبة بغرض الوصول إلى تحريك للأنشطة الاقتصادية. وكان الكونجرس الذي كان تحت سيطرة الديمقراطيين قد أخفق في الموافقة على الكثير من الخفض الذي قام به الرئيس ريجان في معدل نمو الإنفاق المقترح، إلا أنه قام بالفعل بدعم الزيادة في إنفاقه العسكري بما يقارب نسبة 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبمجرد وضع خفض الضرائب التي طلبها الرئيس ريجان موضع التنفيذ، انطلق الاقتصاد حيث أدى إلى معدل نمو اقتصادي مذهل بلغ نسبة 7.2 في المائة في عام 1984. وقد تم توجيه الانتقاد إلى الرئيس ريجان بشأن الزيادات في العجز التي حدثت في السنوات القليلة الأولى من فترة رئاسته، لكن حقيقة الأمر تكمن في كون هذه الأمة تقوم دائما باستخدام التمويل من القروض بغرض شن الحروب، ولم تكن الحرب الباردة استثناء من ذلك.
وقام الرئيس بوش الأول بنسف الكثير من تركة الرئيس ريجان التي تم تسليمها له بفعل إخفاقه في الوفاء بوعد "التجميد المرن" الذي قدمه في حملته الانتخابية والمتعلق بالإنفاق وبـ "لا ضرائب جديدة". كما قام آلن جرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بارتكاب خطأ أيضا اقترن بأخطاء السياسة الاقتصادية التي اتبعها بوش، مما أدى إلى حدوث كساد غير حاد في عام 1990.
أما الرئيس كلينتون فقد استفاد من الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبها بوش، حتى وإن كان الاقتصاد في حالة نمو منذ سنتين قبل الانتخابات الرئاسية. قام كلينتون بزيادة الضرائب حتى وإن قدم وعدا بأنه لن يقوم بذلك، ثم قام بعد ذلك بعكس وجهة السير بمجرد أن تولى الجمهوريون أمور الكونجرس من خلال التوقيع على خفضهم لمعدل ضريبة النماء الرأسمالي. وقام الكونجرس الجمهوري الجديد بالانضمام إلى إدارة الرئيس كلينتون الضعيفة بالتضييق على نمو الإنفاق العام مما أدى إلى هبوط كبير في الإنفاق كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، والذي كان في معظمه عائدا إلى هبوط الإنفاق العسكري. وبالفعل، فقد نما الاقتصاد بشكل سريع خلال معظم فترة إدارة الرئـيس كلينتون، والسبب في ذلك يعود جزئيا إلى سياساته بالنسبة للتجارة الحرة وتقييد الإنفاق، إلا أن النمو في الضرائب كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي والأخطاء الجديدة التي ارتكبها جرينسبان وضعت الاقتصاد في حالة ركود في الوقت الذي كان كلينتون يغادر منصبه.
أما بالنسبة للرئيس بوش الحالي، فقد قام، وبشكل صحيح، بخفض معدلات الضريبة كي يخرج الاقتصاد من الركود وليستعيد النمو الاقتصادي، إلا أنه وحتى الأشهر الأخيرة قد أخفق في فرض تقييد على نمو الإنفاق. وكانت نتيجة ذلك وجود اقتصاد نامٍ، لكن تشغيله كان دون إمكانياته. وسوف لن تكون تركة بوش الحالي الاقتصادية معلومة بالكامل لمدة سنتين، إلا أنه إذا ما استمر في مكافحة زيادة الإنفاق، فسيكون العجز قريبا من الصفر، وسينتعش النمو في السنة المقبلة بما أن الاقتصاد قد أنجز المطلوب خلال مأزق الائتمان الذي تسبب فيه جرينسبان