رفع الريال بنسبة 30 %

سبق وأن كتبت مقالة مطولة عن أسباب ربط الريال بالدولار وأوردت فيها بعضاً من أهمية أسباب الربط. وقد تعرضت المقالة لانتقادات واسعة من أنصار رفع معدل صرف الريال.
وللجميع الحق في إبداء آرائهم لأن الهدف الأساسي من الكتابة هو إثراء النقاش حول المواضيع التي تهم المجتمع والوطن. وقد ارتفعت أصوات المطالبين برفع معدل صرف الريال حتى أن البعض منهم يحددون نسبا لمعدلات الصرف، ولكن ومع الأسف لا يدعمون هذه النسب ببيانات توضح أساس المطالبة.
ووصلت نسب المطالبة برفع معدل صرف الريال إلى 30 في المائة ولكن دون التطرق إلى تكاليف رفع الريال بهذه النسبة. وحتى في هذه المطالبة لم توضح هل هي لرفع الريال 30 في المائة أم لخفض الدولار 30 في المائة مقابل الريال. حيث إن الأول يعني رفع سعر الريال إلى 2.88 مقابل الدولار، أما الثاني فيعني رفعه إلى 2.63 مقابل الدولار.
ويوضح الجدول المرفق بعض تكاليف رفع الريال بهذه النسبة إذا طبقت على بيانات 2007م. فمن الجدول المرفق يمكن ملاحظة أن الناتج المحلي الاسمي ستنخفض قيمته بالريال نحو 15 في المائة. ويرجع هذا الانخفاض بالدرجة الأولى إلى تراجع الصادرات إذا قيمت بالريال. وسيشمل انخفاض قيمة إجمالي الصادرات السعودية بالريال، الصادرات النفطية والبتروكيماوية المسعرة بالدولار. كما أن من المؤكد أن تنخفض كمية الصادرات الأخرى بسبب ارتفاع أسعارها. كما ستنخفض قيمة الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد والبنوك التجارية والذي يتوقف على مدى أهمية الدولار في هذه الأصول. أما الحساب الجاري فسينخفض بشدة بسبب الانخفاض الكبير في قيمة الصادرات، بينما ستنخفض قيمة الواردات بنسبة أقل بسبب تحويلات العمالة المقيمة أساساً بالريال والتي لن تنخفض بانخفاض قيمة الدولار مقابل الريال.
وستنخفض إيرادات الدولة بنحو 26 في المائة بسبب تراجع قيمة الإيرادات النفطية. ولن تتراجع المصروفات إلا بنسب قليلة وذلك لأن معظم المصروفات مقيمة أساساً بالريال. ونتيجةً لذلك فسيتراجع فائض الميزانية بنسب قوية قد تصل إلى الثلثين في عام 2007م مما سيقلل من قدرة الحكومة على تسوية الدين العام ويخفض من احتياطات الدولة ويقلل من تخصيص الموارد نحو التنمية.
وينبغي التنويه إلى أن أثر رفع الريال بنسب قوية لن يقتصر على سنة واحدة وإنما سيتراكم مع مر السنين وعلى كل الحسابات. حيث ستنخفض موجودات العملة الأجنبية بحدة خلال السنوات المقبلة. وقد تسجل المملكة عجزاً في حسابها الجاري خلال عامين أو ثلاثة من الآن. كما سيتلاشى فائض الميزانية خلال فترة وجيزة. وسترتفع قيمة تحويلات العمالة إلى الخارج بالدولار وتصبح المملكة أكثر جاذبيةً للعمالة الأجنبية مما قد يخفض من توظيف السعوديين ويرفع معدلات البطالة بينهم. كما لا ينبغي إغفال تأثير رفع الريال على معدلات نمو القطاع الخاص حيث من المتوقع انخفاضه بسبب رفع معدلات الريال. ويوضح الجدول المرفق تأثير رفع الريال مقابل الدولار بنسبة 30 في المائة على بعض البيانات الاقتصادية المتحققة في عام 2007م. وسيكون هناك تأثيرات متراكمة لرفع قيمة الريال في السنوات المقبلة أكثر حدةً من بيانات 2007م.

إن التركيز على استخدام أداة واحدة للتعامل مع التضخم مع إغفال العوامل الأخرى المسببة للتضخم يتطلب استخدام تلك الأداة بقوة أكثر مما ينبغي، مما يوجد تشوهات في الاقتصاد ينتج عنها نتائج سلبية أكثر من استخدام عدة أدوات تسعى لإيجاد توازنات بين القطاعات الاقتصادية. فرفع معدلات الصرف بقوة وحدها يساعد قطاع الاستيراد بقوة والذي سيحقق أرباح طائلة من رفع معدلات الصرف.
وستتضرر قطاعات التصدير والإنتاج الوطني والإيرادات الحكومية وبناء الاحتياطات والتخلص من الدين العام. وللتعامل مع مشكلة التضخم يمكن تعديل معدلات صرف العملة بالتزامن مع حزمة من الوسائل أهمها خفض النمو في الإنفاق الحكومي ووضع قيود على أسعار بعض الخدمات والسلع، وأهمها الإيجارات وخفض النمو في مستويات السيولة ورفع الأجور في الاقتصاد ككل ودعم الفقراء بشكل أكبر. إن المطالبة برفع سعر الريال ينبغي أن تكون بنسب معقولة تدعمها بيانات واضحة لكي يمكن النظر في تنفيذها. حيث سيحدث رفع سعر الريال بنسب مرتفعة هزة عنيفة في الاقتصاد تبطئ النشاط الاقتصادي وقد تحول مسار النمو في الأمد الطويل إلى ركود