تختلف قراءة توقعات أداء السوق المالية باستخدام الموجات الاقتصادية عن طرق قراءات توقعات الأداء الأخرى، كالتحليل الفني، والأساسي، والإداري، في أنها تعتمد على نظرة شمولية لتطورات دور السوق المالية ضمن منظومة الاقتصاد المحلي خلال عقود من الزمن.
تدمج نتائج هذه القراءة لاحقا بالتطورات السياسية والاجتماعية السابقة والحالية لمنظومة الاقتصاد المحلي في محاولة لقراءة تطورات السوق المالية المقبلة.
عديدة هي الفوائد عندما نقراْ تطورات السوق المالية السعودية "تداول" خلال الـ 22 عاما الماضية في محاولة لرسم ملامح السوق المالية السعودية خلال العام الميلادي الحالي. خلصت هذه القراءة إلى أن "تداول" مرت بخمس موجات متشابهة إلى حد كبير في الملامح، والخواص، والسلوك.
فالموجة الواحدة طولها أربعة أعوام. يمثل كل عام طورا من أطوارها. تنشأ الموجة في العام الأول "النشأة"، وتنمو في العام الثاني "النمو"، وترشد في العام الثالث "الرشد"، وتنضج في العام الرابع "النضوج". تتشابه هذه الأطوار أيضا إلى حد كبير في الملامح، والخواص، والسلوك من موجة إلى أخرى.
ما يهمنا في هذا السياق تطورات الطور الثالث "الرشد" من أطوار الموجة الواحدة. تميز طور "الرشد" بالعديد من الملامح، والخواص، والسلوك من المفيد مدارستها من واقع أطوار "الرشد" الخمسة الماضية (1988، 1992، 1996، 2000، 2004) خلال الموجات الخمسة الماضية (1986-1989، 1990-1993، 1994-1997، 1998-2001، 2002-2005) في محاولة لرسم ملامح طور "الرشد" الحالي (2008) للموجة السادسة الحالية (2006-2009).
تميز طور "الرشد" (1988) للموجة الأولى (1986-1989) بنمو القيمة السوقية من 72.8 مليار ريال إلى 85.90 مليار ريال. وواصل المؤشر العام صعوده من مستوى 780.64 نقطة إلى مستوى 892.00 نقطة. وتحسن العمق المالي تباعاً من نسبة 2.32 في المائة إلى نسبة 2.37 في المائة من القيمة السوقية.
تكرر السلوك ذاته في طور "الرشد" (1992) للموجة الثانية (1990-1993) عندما نمت القيمة السوقية من 180.8 مليار ريال إلى 206.1 مليار ريال. وواصل المؤشر العام صعوده من مستوى 1765.24 نقطة إلى مستوى 1888.65 نقطة. وتحسن العمق المالي تباعاً من نسبة 4.72 في المائة إلى نسبة 6.65 في المائة من القيمة السوقية.
تكرر السلوك ذاته أيضا في طور "الرشد" (1996) للموجة الثالثة (1994-1997)، ولكن بمخالفة طفيفة في العمق المالي. حيث نمت القيمة السوقية من 153.39 مليار ريال إلى 171.9 مليار ريال، وواصل المؤشر العام صعوده من مستوى 1367.60 نقطة إلى مستوى 1531.00 نقطة، كما حدث في أطوار الرشد السابقة. إلا أن العمق المالي تراجع بنية طفيفة من نسبة 15.14 في المائة إلى نسبة 14.77 في المائة من القيمة السوقية.
عاد طور "الرشد" (2000) للموجة الرابعة (1998-2001) لسلوك سلوك أطوار "الرشد" للموجتين الأولى (1986-1989) والثانية (1990-1993). نمت القيمة السوقية من 229 مليار ريال إلى 255 مليار ريال، وواصل المؤشر العام صعوده من مستوى 2028.53 نقطة إلى مستوى 2258.29 نقطة. وتحسن العمق المالي تباعاً من نسبة 24.71 في المائة إلى نسبة 25.60 في المائة من القيمة السوقية.
تكرر السلوك ذاته في طور "الرشد" (2004) للموجة الخامسة (2002-2005) بنمو القيمة السوقية من 590 مليار ريال إلى 1149 مليار ريال. وواصل المؤشر العام صعوده من مستوى 4437.58 نقطة إلى مستوى 8206.23 نقطة. وتحسن العمق المالي تباعاً من نسبة 101.10 في المائة إلى نسبة 154.38 في المائة من القيمة السوقية.
بناء على ما تقدم، فإنه يتوقع دخول "تداول" خلال هذا العام طور "الرشد" (2008) للموجة السادسة (2006-2009). يتميّز هذا الطور عن سابقه، طور "النمو" (2007)، باستدامة نمو القيمة السوقية، ومواصلة المؤشر العام صعوده إلى مستويات متقدمة، وتحسن العمق المالي كما حدث في أطوار "الرشد" السابقة، (1988، 1992، 1996، 2000، 2004).
يؤخذ في عين الاعتبار العديد من التطورات التي ستشهدها "تداول" خلال هذه العام، والتي من أهمها، تعديل معادلة حساب المؤشر العام وانعكاسات هذا التعديل النفسية على المتداولين، والسوق الخليجية المشتركة وانعكاسات هذه السوق على طبيعة المستثمرين وتنافسية الشركات المدرجة.
تواجه زاوية القراءة هذه بعض المعارضة من مجموعة من الباحثين الاقتصاديين، عطفا على فرضية أن دور المؤشرات الاقتصادية في التأثير في الموجات الاقتصادية يتباين من موجة إلى أخرى. وبالتالي، فإن قراءة الموجات الاقتصادية السابقة لا تعطي مدلولات كافية حول ملامح الموجة الاقتصادية المقبلة.
و بدرجة المعارضة نفسها، تواجه الزاوية التي قرأت منها التطورات تأييد مجموعة أخرى من الباحثين الاقتصاديين، عطفا على فرضية أن الاقتصاد يمر بموجات متعاقبة تتشابه في الملامح، والخواص، والسلوك. وبالتالي فإن قراءة الموجات الاقتصادية السابقة قد تساعد على رسم ملامح الموجة الاقتصادية المقبلة.
وبين معارض ومؤيد، يبقى الحكم على دخول سوق الأسهم السعودية في طور "الرشد" (2008) للموجة السادسة (2006-2009) مرهونا بمدى القناعة ليس بإعادة التاريخ نفسه فحسب، وإنما بمنطقية زاوية القراءة، وعلاقة الشواهد بالتطورات